بين البخل و الكرم ( شعرة ) ... بقلم : محمد بسام مصطفى البني
كل منا مر في مرحلة الطفولة و كل منا قضاها بأسلوب مختلف عن الآخر ، تلك هي الحياة و ذاك هو طفل له رغبات بلا حدود .
كنت أسمع في صغري من أحاديث الكبار مواضيع متعددة و بالطبع لم أفكر بالكثير منها لأنها خارجة عن دائرة استيعابي كطفل و لكن واحدة من تلك الأحاديث كلما ترددت كنت أفكر بها مليا ثم أقف عاجزا أن أفهمها ا (يرددون أنه بين الكرم و البخل شعرة رفيعة جدا ) .
مرت السنين و صرت قادرا على تفسير الكثير من الأمور تبعا للتجارب التي مررت بها إلا أني لازلت عاجزا أن أعلم ماهية تلك الشعرة و مما تتكون ؟
وللأمانة أيضا أنا لا أعلم كيف يمكن للبخيل أن يتخلَص من تلك الشعرة ليصبح كريما ؟
و هل لها ارتفاع معين أو قساوة معينة أو تركيب كيميائي خاص ؟
و هل يجب القفز فوقها أم يكتفي الشخص بقطعها فقط ليتحول من بخيل لكريم أو بالعكس ؟
قد يكون عجزي عن ذلك و بدون خجل لأني أحمل عقد سوداوية حول أي شيء يتعلق بالبخل أو البخيل بحيث راح تأثير هذه العقد يسيطر علي فيمنعني حتى من سماع أي قصة تدور أحداثها حول شخص بخيل ، و قد تكون هذه العقد قد نشأت معي منذ طفولتي لأنني لم أشبع رغباتي كطفل لأنني محكوم آنذاك بكرم أو بخل والدي أطال الله في عمره .
و اليوم أثير هذا الموضوع بعد حديث و نقاش جرى بيني و بين أحد الأصدقاء ليلة أمس .
فقد رآني أحمل في يدي لعبة جميلة جدا عبارة عن سيارة مع ( ريموت كونترول ) و تقوم هذه السيارة بأداء حركات معقدة جدا و بسرعة فظيعة .
سألني و هو يضحك : لمن اشتريت هذه السيارة ؟
أجبت : لابني !!!
قال : و لكن ابنك لا يزال صغيرا لأن تشتري له سيارة كهذه !!
ابتسمت هاربا من التعليق ....!!!!
قال : ربما اشتريتها لك بحجة أنها لابنك !!
أجبت : قد أكون فعلتها ، بالنسبة لي ليست بمشكلة فأنا و للأمانة يوما لم أقتني لعبة في طفولتي !!
هل تصدق أن والدي لم يشتري لي لعبة في طفولتي ؟
و المرة الوحيدة التي فعلها حدثت بعد أن طلبت منه لعبة رخيصة الثمن لكنه أبى فرحت أبكي أياما ، و بعد معاناة لي معه اشتراها و لكنه ضربني بعد أن اشتراها لأنني حققت ما أردت رغما عنه و لأنه دفع ما دفع مقابل شيء تافه ، ساد في نفسي حينذاك شعور بأن والدي رجل بخيل و أنه من الصعب أن يهدر ماله ليشتري لي لعبة ، و هذه الحادثة جعلتني أقتل في نفسي حاجتي طفولتي الماسَة لأية لعبة - خاصة و أن أصدقائي المحيطين كان لديهم ألعابا كثيرة أحلم بها - و تركت أيضا فيَ أثرا لا أزال أجهل عمقه .
ضحك صديقي و قال لا تحزن : أنت تعرف أن والدي أغنى من والدك بكثير و أنه يملك ثروة كبيرة و لكن هل تصدقني إن قلت لك أني قضيت طفولتي و لم يشتري لعبة يوما لي ؟؟!!!
بدت علي علامات تعجب و استغراب من حديثه لأنني كنت أعتقد أنه ولد مدلل حصل في طفولته على الأحلام التي سرقت مني و أخذ حقه كطفل في هذه الحياة خاصة أنه ابن رجل ثري جدا . و أن ملعقة الذهب التي كان يأكل بها كافية أن تجعل أحلامه واقعا .
أجبته : هل تمزح ؟؟
ففاجئني وأقسم أن والده لم يشتري له يوما لعبة .
سألته : ما السبب ؟
قال : أعتقد أنه كان بخيلا ! و كما يقولون بالعامية ( بيحسبها )
قلت : كنت أسأل والدي هل أنت بخيل ؟ لكنه كان يقنعني أنه ليس بخيل إنما هو شخص يحسب الأمور بميزان خاص أحاول أن أتخيل ذالك الميزان ، فأضع في إحدى كفتيه دمى و ألعاب و في الكفة الثانية نقودا طبعا لطفولتي الساذجة سترجح كفة الألعاب أفرح ثم يتلاشى الحلم بسرعة لأنه من المؤكد أن كفة النقود سترجح في ميزان والدي .
على أية حال كنت أسكت مع أنني غير مقتنع بما يقول .
على أية حال يا صاحبي أنت تسألني لمن اشتريت اللعبة ، نعم اضحك اشتريتها لي و لابني ، اشتريتها لي لأنني كنت أحلم بها عندما كنت طفلا و كان الحلم يطول لأيام خاصة عندما أمرُ أمام محل لبيع الألعاب و يتلاشى بعدها حلمي أمام دمعة عجزي أن أحصل عليها – الميزان دوما في مخيلتي قبل كل شيء - و اشتريتها لابني لأني لا أريد تكرار ما عشته في صغري و صدقا أنني كثيرا ما أشتري ألعابا لا أعلم إن كان أولادي يحبونها أم لا حتى في بعض الأحيان تكون غير مناسبة لأعمارهم ، وبعض القريبين مني يقولون أني صرت مسرفا - طبعا ضمن حدود دخلي - .
ضحك من جديد و قال لي : لا ترتجف ، صدقني أنا أفعلها كثيرا ، وغالبا ما اشتري لهم كل شيء يحتاجونه أو لا يحتاجونه المهم أنني أشبع طفولتهم و طفولتي لم أعشها كما أريد ثم كرر ذلك القول ( بين البخل و الكرم شعرة ) .
مشيت قليلا ثم التفت و صرخت : هي ليست شعرة إنها سد منيع لا ينهار .
منقول.........