ازدادت علامات فحوصات مقاييس الذكاء
باضطراد خلال القرن العشرين ومن جيل لآخر، ولمعرفة السبب يحاول العلماء
إيجاد الجواب ما بين آثار الجينات ودور التجارب العملية اليومية على أنهما
السببان الرئيسيان في تحديد حدة الذكاء ومستواه.
في الماضي كان أطفال
المدارس والمتقدمون للوظائف العسكرية أو المدنية وكذلك من يتقدمون لأية
أعمال تتطلب حدًا أدنى معيناً من الذكاء ـ يجدون صعوبات جمة في الإجابة عن
أسئلة اختبار الذكاء.
قياس حدة الذكاء
لكن العلماء الذين يدرسون
هذه الظاهرة حاليًا تعتريهم الدهشة لارتفاع علامات قياس حدة الذكاء
ارتفاعًا كبيرًا في مناطق كثيرة من العالم، حيث سجل ارتفاعًا قدره 27 نقطة
في بريطانيا منذ عام 1942، وكذلك 24 نقطة في الولايات المتحدة منذ عام
1918، وفي الأرجنتين ودول أوروبا واليابان وكندا والصين وأستراليا
ونيوزيلندا.
ومن الملاحظ أن الارتفاع في درجات الذكاء ومستواه واضح جدًا
بل ومرتفع لدرجة أن الطفل الذي يتمتع بذكاء معتدل أو متوسط في هذه الأيام
يضاهي عبقرية الفرد في السنوات السابقة.
هناك مشكلة واحدة يتوجب التعامل
معها، وهي أن العلماء لا يمكنهم في هذا الوقت تحديد السبب الذي جعل علامات
قياس مستوى الذكاء تقفز إلى هذا الحد، إذا ما تركنا جانبًا الجدل حول ما
إذا كان مقياس الذكاء الذي نستخدمه وعلاماته العالية دليلاً قاطعًا على
التمتع بالذكاء.
فلا الطبيعة قادرة على تقديم جواب لهذا اللغز، ولا الجينات الطبيعية أو البيئة المحيطة وذلك لأسباب عديدة.
فلقد
أظهرت بيانات دراستين متماثلتين في هذا المجال أن العوامل الجينية مسؤولة
عن نسبة 75% من ذكاء الإنسان عندما ينضج، وهو ما يترك مجالاً واسعًا للنسبة
الباقية كي تحددها الطبيعة والبيئة المحيطة.
فمعظم علماء النفس يميلون
إلى الاعتقاد القاضي بنصيب الأسد للعوامل الوراثية في تحديد نسبة الذكاء
عند الإنسان ودورها في تفاوت نسب الذكاء بين الناس، لكن "ويليامز ديكنز" من
معهد "بروكينغز" يرى أن هناك لغزًا معقدًا بسبب تضارب المعطيات التي تساعد
على تشكيل حدة الذكاء ونسبته.
العوامل الوراثية
فالعوامل
الوراثية وفقًا للعديد من الأبحاث تتحكم في مستوى الذكاء بدرجة عالية، بحيث
يبدو أثر البيئة ضئيلاً جدًا. لكن تغير درجات الذكاء وازديادها عبر الزمن
باضطراد مستمر يشير إلى أن دور البيئة مهم ومؤثر بل سائد على غيره.
ولأجل
ذلك قام "ديكنز" ومعه "جيمس فلين" بتوحيد جهودهما والعمل ضمن فريق واحد
للقيام بدراسة لفك اللغز حول هذا الموضوع، ولمعرفة مختلف العوامل والقوى
المؤثرة التي تحدد درجات الذكاء وأسباب تفاوتها.
وقد تبين للباحثين أن
مقاييس الذكاء تتفاوت بين الناس بسبب تأثيرات الاختلافات الجينية والبيئية،
فالجينات لها أثر فعال بحيث تؤدي إلى دفع الشخص إلى اختيار نوع البيئة
الملائمة له، وكذلك الخبرة والتجربة التي يعيشها في حياته، فلو كان لدى شخص
معين مستوى مرتفع من الذكاء فستجده على سبيل المثال ميالا إلى السعي
للدراسة بالمدارس وقراءة الكتب والبحث عن الألغاز وحلولها وإثارة الأسئلة
والتفكير في الأمور التجريدية وغيرها، وتؤدي جميع هذه الأمور بالطبع إلى
توسيع مدارك الإنسان الفعلية.
يقول "ديكنز" في استنتاجاته حول درجات
ذكاء الإنسان «كلما كانت درجات الذكاء أعلى لدى الفرد فإنها تؤدي به إلى
اختيار البيئة الفضلى له والتي بدورها تؤدي أيضًا إلى زيادة مقاييس الذكاء
لديه"، وبفضل هذه المعادلة تجد أن الشخص الذي يتميز بنسبة ذكاء عالية قد
اختار لنفسه أسلوب حياة رفيعًا قائمًا على البحث عن الحقائق والعلوم
واختيار الأصدقاء اللامعين واللجوء إلى النقاش الذي يحفز الذكاء، الأمر
الذي يزيد من حدة الذكاء من ناحية أخرى.
الجينات والبيئة:
يبدأ
الإنسان حياته تحت تأثير الجينات والبيئة مبكرًا، عندما بدأ طفلاً مع
والديه كي يقرأ طريقة حياتهم، ويتعلم منهم أمورًا جديدة في كل لحظة.
وإذا
ما كان لدى هذا الطفل مستوى من الذكاء يزيد قليلاً عن أترابه فإن ذلك يعني
تضاعف حدة ذكائه نظرًا إلى تأثير البيئة التي سيختارها لنفسه والتي ستؤدي
إلى زيادة نسبة الذكاء تلك، وفقًا للمعادلة الآنفة الذكر. والعكس صحيح بحيث
يقع الطفل الأقل ذكاء عن المعدل العام ضحية بيئة فقيرة من الناحية
العلمية، ومن ثم التعثر في مدرسته واختياره لأصدقائه غير الموفق، ومن ثم
تراجع حدة الذكاء وفقًا للمعادلة ذاتها التي سبق أن تم توضيحها.
يعتقد
العلماء المختصون بأبحاث الذكاء أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجات حول
المعدل سواء أقل بقليل أو أكثر، فإن تأثيرات البيئة عليهم ستكون متساوية؛
لأنهم في كلتا الحالتين سيختارون بيئة متشابهة يختارها الإنسان الذكي
أحيانًا في حين تتوفر تلقائيًا لبعض الأذكياء إن لم يبحثوا عنها بأنفسهم.
أي أن الخبرات والتأثيرات الاجتماعية والتقنية ستفعل مفعولها في كلتا
الحالتين. وهذا ما يفسر ازدياد مقاييس الذكاء ونسبه عبر الأجيال.
فالكمبيوترات وألعاب الفيديو وأماكن بيع الأطعمة السريعة التي تعج بالألعاب
والألغاز، جميعها تساعد على تدريب الأدمغة والعقول على القيام بالتحليلات
والتفسيرات التي يقاس ذكاء الإنسان من خلالها.
كما أن العائلات الصغيرة
التي يحظى فيها الطفل برعاية مركزة أكثر، ويجد فيها أجوبة عن أسئلته التي
لا تتوقف تساعد على إيجاد أجيال ذكية باضطراد.
البيئة الطبيعية:
أن
هذه المميزات التي تتميز بها البيئة الطبيعية التي تتوفر للطفل هي من النوع
الثابت والمتأني الذي يترك آثارًا طويلة الأجل على الأجيال من ناحية
ازدياد معايير الذكاء العامة، بخلاف تأثيرات البيئة المصطنعة التي قد
يوفرها الأبوان للطفل في بداية حياته عن طريق توفير برامج تقوية وبيئة
علمية منتقاة له، غير أن تأثير ذلك النوع من البيئة المصطنعة سرعان ما يزول
ويعود تأثير البيئة القديم والطبيعي للطفل.
ويختتم ديكنز في استنتاجاته
بقولة إن "أولئك الذين يعتقدون بقوة تأثير الجينات على معايير الذكاء
وأولئك الذين يرجحون دور البيئة، كلاهما صائب" فالجينات تحظى بنصيب الأسد
في تأثيراتها على مستويات الذكاء وتفاوتها بين الأفراد، وذلك يعني أيضًا
أنها تؤدي إلى قيام الفرد باختيار خبراته، ومن ثم تشكيل نوع البيئة التي
ستحيط به وتؤثر في حياته، وهذه هي البيئة التي تؤثر مباشرة في تفاوت نسب
الذكاء بين الأفراد
منقول