اعداد الأستاذة عائشة السويدي - الامارات العربية المتحدة
استراتيجيات وبرامج التدخل العلاجي المبكر في مرحلة ما قبل المدرسة :
التدخل المبكر ميدان حديث العهد نسبياً في معظم دول العالم ، وهذا الميدان
يُعنى بتربية وتدريب الأطفال ذوي الحاجات الخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة ،
ما يزال هو بتربية الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة في معظم الدول
العربية ، بل هو لم يولد بعد في بعضها . لكن الحاجة إلى برامج التدخل
المبكر هي حاجة أساسية لم يعد ثمة شك في أولويتها بالنسبة لكل المجتمعات
الإنسانية وليس لمجتمع أو مجتمعات محددة دون غيرها .
تعريف عام للتدخل المبكر :
تقديم الخدمات الطبية والتربوية والعلاجية الطبيعية والوظيفية والنطقية من
خلال تصميم برامج تربوية فردية بالأطفال ذوي الحاجات الخاصة الذين هم في
السنوات الست الأولى من أعمارهم .
مبررات التدخل المبكر :
يدرك الخبراء في ميدان التربية الخاصة أهمية التدخل المبكر ، لأنه يؤدي إلى
الوقاية من المشكلات في النمو ، ويقلل من تأثيرات الإعاقة على الأطفال ذوي
الحاجات الخاصة وأسرهم . فمظاهر النمو المختلفة مترابطة ، ولذا فبدون
التدخل المبكر قد يقود الضعف إلى ضعف آخر ، أو قد تؤدي الإعاقة إلى إعاقات
أخرى .
ومن جهة أخرى فقد تبين أن للخبرات الأولية في الحياة تأثيرات كبيرة على
النمو في جميع جوانبه . فمرحلة الطفولة المبكرة يحدث فيها ما يُعرف باسم
فترات النمو الحرجة ، حيث يكون الطفل في ذروة استعداداته وقابليته للنمو
والتغيير ، ولذلك فالتدخل المبكر يسعى إلى استثمار هذه الفترات لتطوير
القدرات العقلية واللغوية والاجتماعية للطفل . ولا تقتصر خدمات التدخل
المبكر على ما يقدمه من خدمات ، للطفل ، فخدماته تتعدى ذلك إلى الأسرة حيث
يوجهها إلى كيفية التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة قبل أن تتطور
لديها أنماط رعاية وردود فعلٍ مناسبة أو غير بناءة . وبما أن التدخل المبكر
يعمل على تحسين الوضع الصحي والنمائي العام للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
، فإنه بالتالي يعمل على خفض التكاليف المادية للعلاجات الطبية وغير
الطبية التي قد تحتاجها هذه الفئة من الأطفال في المستقبل .
وبما أن مرحلة ما قبل المدرسة لها أهميتها الخاصة ، إذ أجمع المربون وعلماء
النفس على اعتبارها أهم فترة عمرية تمر في حياة الإنسان ، ومن هنا فإن
التدخل المبكر في هذه المرحلة يعتبر أمراً على درجة كبيرة من الأهمية ، فهو
إن لم يكن قادراً على معالجة ما يطرأ من مشكلات في تلك المرحلة ، فهو قادر
على تخفيفها ، أو على الأقل قادر على منع تفاقمها في المستقبل .
الإستراتيجية وبرامج التدخل :
يرى الخبراء في ميدان التربية الخاصة الإستراتيجيات وبرامج التدخل العلاجي
المبكر للأطفال ذوي الحاجات الخاصة يختلف شكلاً ومضموناً من طفل لآخر ،
ولكن هنالك قاسماً مشتركاً يلتقون عنده عندما يتحدثون عن الاستراتيجيات
والبرامج بشكل عام ، وخرجوا بتصنيف لتلك البرامج إلى ثلاث فئات رئيسية هي :
1/ فئة البرامج الوقائية الموجهة نحو الأطفال الذين هم عرضة للخطر لأسباب بيئية .
2/ فئة البرامج الوقائية الموجهة نحو الأطفال الذين هم عرضة للخطر لأسباب بيولوجية .
3/ فئة البرامج العلاجية – التصحيحية الموجهة نحو الأطفال المتأخرين نمائياً أو عقلياً .
بالنسبة للبرامج الوقائية الموجهة نحو الأطفال الذين هم عرضة لأسباب بيئية ،
أتضح أن بعض المتغيرات المحددة تلعب دوراً رئيسياً في تحديد فاعلية برامج
التدخل المبكر المقدمة لهم . ومن أهم هذه المتغيرات :
1/ مستوى كثافة التدخل : فكلما كان التدخل المبكر مكثفاً أكثر ( بمعنى أنه
يتضمن تفاعلاً واسعاً وكبيراً مع الأطفال وأسرهم ) ، التأثيرات النمائية
والسلوكية أكبر .
2/ موعد البدء بالتدخل المبكر : فكلما كان التدخل مبكرا أكثر ( منذ لحظة
الولادة وإلى الثالثة من العمر ) كانت الفائدة بالنسبة للأطفال أكبر .
3/ مدة التدخل المبكر : تبين أنه كلما طالت مدة التدخل ، بحيث تتضمن تقديم
الخدمات للأطفال إلى أن يبلغوا سن المدرسة ، بل حتى بعد دخولهم المدرسة ،
كانت النتائج أفضل .
4/ مدة دعم الأسرة : فكلما عملت برامج التدخل المبكر على إشراك الوالدين في
برامج التدخل أكثر ، وقدمت لهما البرامج التدريبية ، كانت التأثيرات على
الأطفال أكبر .
5/ كنايات المعلمين واتجاهاتهم : تتناسب برامج التدخل المبكر في فاعليتها
تناسباً طردياً في اتجاهات المعلمين الإيجابية وقدراتهم الشخصية المتطورة،
علاوة على ذلك فعلى الرغم من أهمية منهاج التدخل المبكر المستخدم ، إلا أن
الأكثر أهمية من ذلك هو البيئة التي يتم تدريب الأطفال فيها ، فالبيئة
الإيجابية والإنسانية الدافئة هي المحك الحاسم .
أما برامج التدخل النمائي الموجهة نحو الأطفال الذين هم عرضة للخطر لأسباب
بيولوجية أو طبية ، فمنها ما يتصل بالبرامج المقدمة في وحدات العلاج المركز
لحديثي الولادة ، ومنها ما يتصل بالبرامج للأطفال بعد الخروج من
المستشفيات . ويشمل التدخل المبكر للأطفال في وحدات العلاج الإثارة الحسية (
السمعية ، البصرية، اللمسية ، الحركية ، الحسية ) . وبالرغم من التباين
الملحوظ في نتائج الدراسات التي حاولت التحقق من فاعلية هذا النوع من
التدخل المبكر ، فأن معظم الدراسات على اختلاف منهجيتها أشارت إلى تحسن
قصير المدى ( ست شهور إلى سنة) على الأقل . ولكن بعض الدراسات تشير بوضوح
إلى أهمية تطوير البرامج على المستوى الفردي ، وأن تكون هذه البرامج قابلة ،
وأن تتصف بكونها وظيفية ، وتراعي المستوى النمائي العصبي للطفل ، حيث أن
الإثارة الزائدة قد تزيد من مستوى عدم استقرار الجهاز العصبي الذاتي .
كذلك فأن البحوث العلمية الحديثة تؤكد على أهمية عدم اقتصار التدخل المبكر
على الإثارة الحسية فقط وايلاء العلاقات والتفاعلات الاجتماعية المتبادلة
بين الوالدين وطفلهما جل الاهتمام .
وبالنسبة للبرامج الوقائية المقدمة للأطفال المعرضين للخطر لأسباب بيولوجية
طبية وذلك بهد خروجهم من المستشفى ، فهي تشمل تزويد الطفل ووالديه
بالبرامج التدريبية اللازمة لتشجيع مظاهر النمو الطبيعية . وبوجه عام ، ثمة
أدلة متزايدة على الفائدة طويلة المدى نسبياً لهذه البرامج ، وبخاصة تلك
الموجهة نحو الوالدين.
أما بالنسبة للدراسات التي حاولت تقييم مستوى فاعلية البرامج العلاجية –
التصحيحية . للأطفال المتأخرين نمائياً والمعوقين ، فهي تواجه تحديات
منهجية من نوع خاص . ولعل أكثر تلك التحديات وضوحاً الأطفال المستهدفين من
حيث فئة الإعاقة وشدتها وأسبابها واختلاف خصائص أسر الأطفال وكذلك تنوع
برامج التدخل المبكر .
ومهما يكن الأمر ، فان عشرات الدراسات التجريبية أوضحت فاعلية هذا النوع من
التدخل المبكر لا بالنسبة للأطفال فحسب وإنما بالنسبة لأسرهم أيضاً . فهذا
التدخل يطور القدرات المعرفية للأطفال والقدرات النمائية الأخرى ، ويحول
دون التدهور النمائي ، ويجعل الأسرة أكثر قدرة على القيام بوظائفها
وأدوارها .
نتائج الدراسات :
تناول كثير من العلماء في ميدان التربية الخاصة بالدراسة والبحث فاعلية
برامج التدخل المبكر . ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ( دنست وسنايدر
ومانكتن Dunst , Snyder , & Mankenin) ) حيث قاموا بالعمل على تحليل
النتائج لمائة وخمس دراسات ، مستخدمين إطارا نظريا جديدا لتقيم فاعلية
برامج التدخل المبكر . وهذا الإطار لا يهتم فقط بتحديد أثر التدخل على نمو
الطفل ومستوى تطوره ، ولكنة يهتم أيضا بتحليل التأثيرات المباشرة وغير
المباشرة للتدخل على الوالدين والأسرة . وقد خلص دنست ورفاقه إلى النتائج
الرئيسية التالية :
1] إن معظم الأطفال الذين يلتحقون ببرامج التدخل المبكر يحققون تطورا
نمائيا، ويظهرون تغيرات سلوكية طويلة المدى نسبيا . إلا أنه من المتعذر
حاليا معرفة أي العناصر في برامج التدخل المبكر مسؤول عن هذا التطور وهذه
التغيرات .
2] إن برامج التدخل المبكر التي تعتمد المناهج السلوكية والمعرفية هي البرامج الأكثر .
3] إن معظم الأدلة على فاعلية التدخل المبكر وجدواه قدمته الدراسات ذات
العلاقة بالأطفال المعرضين للخطر لأسباب بيئية . أما الدراسات ذات العلاقة
بالأطفال المعرضين للخطر لأسباب بيولوجية – طبية ، فهي لم تنجح في تقديم
أدلة مقنعة بعد .
4] ثمة أدلة متزايدة على أن التدخل يكون أكثر فاعلية عندما يكون لمدة أطول ومبكراً أكثر .
5] إن التقدم الذي يحوزه الأطفال المستفيدون من خدمات التدخل المبكر تتأثر بشكل واضح بخصائص كل من الطفل وأسرته .
6] إن معدل تحسن أداء الأطفال المستفيدين من خدمات التدخل المبكر تختلف
جوهرياً باختلاف شدة إعاقتهم ، فكلما كانت الإعاقة أشد ، كانت الفوائد التي
يجنيها الأطفال أقل . والعكس صحيح .
وفي المراجعة الشاملة لأدبيات التدخل المبكر التجريبية ، فقد قدم العلماء
في ميدان التربية الخاصة اقتراحات عامة للعاملين في ميدان التدخل المبكر ،
تتمثل فيما يلي :-
أ ] يجب أن تتبنى برامج التدخل المبكر فلسفة واضحة تعمل بمثابة الموجه والدليل إلى العمل مع الطفل وأسرته .
ب] يجب أن تحدد برامج التدخل المبكر المكونات الرئيسية للخدمات المقدمة ، كيفية تحقيق تلك المكونات للأهداف المرجوة .
جـ] يجب أن تدرك برامج التدخل المبكر أنها تعمل في محتوى أسري ومجتمعي،
وأنها لن تستطيع تحقيق أهدافها دون تلبية حاجة الطفل وأسرته أيضاً .
د] يجب أن تتبنى برامج التدخل المبكر موقفاً إنسانياً إيجابياً نحو الأطفال
وأسرهم ، ومثل هذا الموقف يقود إلى الاهتمام ببناء مواطن القوة ، ولا يركز
فقط على مواطن العجز .
هـ] يجب أن تتبنى برامج التدخل المبكر موقفانياً .
و] يجب أن تكيف برامج التدخل المبكر الفردية للأطفال وأسرهم ، أما البرامج
التي تفتقر إلى المرونة وتحدد عناصرها مسبقا ولا يجري عليها أي تعديل، فهي
برامج تفتقر إلى الفاعلية .
ز] يجب أن تكون برامج التدخل المبكر واقعية من حيث التغيرات في الأداء التي يتوقع تحقيقها نتيجة للتدخل .
ح] يجب أن تعتمد برامج التدخل المبكر المحكات التالية للتحقق من فاعليتها :
التشخيص ، شدة الإعاقة ، عمر الطفل عند الالتحاق بالبرامج ، مدة التدخل
وكثافته .
ط] يجب أن تراعي برامج التدخل المبكر مدى حاجة الأسرة إلى الدعم وقدرتها على المشاركة في البرنامج
منقول