حكم الإصرار على المعاصي عند اهل السنة والجماعة
أما الإصرار على المعاصي، والاستغراق فيها، والاستمرار عليها، وعدم
الإقلاع عنها، وعدم الاستغفار والتوبة منها، وعزم القلب عليها، أو الفرح
بفعلها؛ فحكمها عند أهل السنة والجماعة كحكم مرتكب الكبائر، ويخشى على
صاحبه من سوء العاقبة؛ لأن المعصية عندهم بريد الكفر، وهي مشتقة منه
وآيلة إليه، والإكثار منها ينبت النفاق في القلب، وقد يؤدي إلى الوقوع في
الكفر والردة – والعياذ بالله – لأن المعاصي – مع الإصرار والاستغراق
فيها – تحيط بصاحبها وتستولي على قلبه وتطمسه؛ حتى لا يبقى فيه من
الإيمان شيء.
قال تعالى: { بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (سورة البقرة،
الآية: 81).
وقال : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا
فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (سورة آل عمران، الآية: 135).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن
على الرجل حتى يهلكنه) ((رواه الإمام أحمد في (المسند) ج1، ص 402 (مسند
عبد الله بن مسعود) وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للمسند؛ ج
5، ص 312 (3818)).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه
نكتة سوداء؛ فإذا نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن زيد فيها حتى تعلو
قلبه، فهو الران الذي ذكر الله {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا
كَانُوا يَكْسِبُونَ}) ((رواه الترمذي) في (أبواب تفسير القرآن) باب
(سورة ويل للمطففين) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ج3 ، ص 127.).
وقال حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
(لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار) ((جامع البيان) الإمام
الطبري: ج 8، ص 245.).
وقال الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر
يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه) ((رواه البخاري) في (كتاب الدعوات) باب:
(التوبة)).
والصغائر من المعاصي والذنوب؛ قد تتحول إلى الكبائر لأسباب نذكر منها:
1- الإصرار والمداومة عليها.
2- استصغار المعصية واحتقارها.
3- الفرح بفعل المعصية الصغيرة والافتخار بها.
4- فعل المعصية ثم المجاهرة بها؛ لأن المجاهر غير معافى.
5- أن يكون فاعل المعصية الصغيرة عالماً يقتدى به؛ لأنه إذا ظهر أمام
الناس بمعصيته كبر ذنبه.
إن المعاصي والذنوب عند أهل السنة والجماعة: تؤثر في الإيمان من حيث نقصه
بحسب قلتها وكثرتها، لا من حيث بقاؤه وذهابه؛ فافتراق المعاصي بمفردها
والإصرار عليها لا يخرج من الدين إن لم يقترن بها سبب من أسباب الكفر،
كاستحلال المعصية، أو الاستهانة بحكمها سواء كان بالقلب، أو اللسان، أو
الجوارح.
منقول