أهمية الحوار مع الصغار

حمد عبدالرحمن المانع

سعد وسالم شقيقان سعد اكمل دراسته في الغرب وعاد لوطنه وسالم معلم على مستوى كبير من الثقافة حيث انه انكب على قراءة الكتب وفق رؤية شاملة بمعنى التنوع في القراءة وأعنى بذلك أنه إضافة إلى الكتب الدينية التي كان يقرأها بات مطلعاً على العلوم الاخرى كالاجتماع وعلم النفس والاقتصاد وغير ذلك مما أسهم في إثراء ثقافته والتأثير على نمط التفكير حيث منحه ذلك بُعداً أدبياً استطاع من خلاله مواءمة الثقافة في الإطار المحافظ وبلورتها في قالب موضوعي متزن يصب في نهاية الأمر إلى خدمة الدين عن وعي ودراية وسعة إطلاع وثقافة بل ومنحته الأدوات اللازمة من حيث التأثير والإقناع استناداً على كتاب الله وسنة رسوله وفي اعتدال تؤسس له المقاربة بين العلوم المختلفة بهذا الصدد قوة في الرصد والمعرفة وقدرة على التأثير والتأصيل والغوص في السياقات الدلالية للنص واستنباط الاحكام المرادة منها، وفي الجانب الآخر فإن سعد ايضا له اسهامات في خدمة دينه ووطنه وكان نشطاً في مراسلة الجمعيات الحقوقية ومتواصلاً مع بعض الصحف الأجنبية، بدأ سعد يشعر بقلق عميق وظهر ذلك من خلال حواره مع سالم، مصدر قلق سعد كان في تأثير الكم الهادر من المعطيات الحضارية المتسارعة من خلال الأجهزة المختلفة وقنوات التواصل المتعددة في سلوك الشباب والشابات، حتى في طريقة تفكيرهم سأل سالم سعد هذا السؤال: سالم: مالي أراك ياسعد قلقاً وتسرح كثيراً وخصوصاً هذه الأيام؟ سعد: أنا يا أخي أفكر في الشباب والجيل القادم فإذا لم نؤسس له قاعدة صلبة يتكئ عليها فإن الريح ستعصف به وستجرفه رياح التغيير إلى الدرجة التي يتجاوز فيها الإطار العام المنظم للنسق الفكري والالتزام بالقيم بل وحتى عدم التمكن من السيطرة عليهم بهذا الخصوص. سالم: أخي كان هذا نفس تفكيري وقلقي، ولعدم درايتي وقلة خبرتي في وقت معين كنت أعتقد بأننا نستطيع تغيير هذه السلبيات بالقوة والشدة، ولكني مقتنع الآن تمام الاقتناع بأنك حين ترغب في إنقاذ الآخرين وانتشالهم من دائرة الخطأ والخطر يجب أن تصل إلى فكرهم وتحاورهم وتجادلهم بالتي هي احسن بقوة المنطق لامنطق القوة وبالتالي توجيههم الوجهة الصحيحة عن دراية واقتناع ليسهموا في التأثير على من حولهم وتتسع الدائرة وهكذا تشمل الفائدة الجميع والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. سعد: لا أخفيك بأني معجب بمنطقك السليم وأفكارك النيرة لا سيما أن التجارب التي يمر بها الإنسان لم تكن إلا دافعاً ووقوداً لبذل المزيد من الجهد، وكما أشرت فإن الوصول إلى الفكر وملامسة المشاعر بحس صادق أمين هو أولى المراحل التي يجب تنفيذها سالم: لقد تعلمت الكثير وعرفت كذلك قيمة الصبر التي يجب أن نتحلى بها في إتمام المشاريع الخيِّرة من خلال العمل الدؤوب وعدم اليأس أو الملل وبأنها لن تجدي نفعاً بل أنها ستجدي بالإصرار والمتابعة، وقد تعلمت يا أخي بأن من أهم وأبرز مفاصل التأثير هو امتلاك الأدوات وتعزيز الفكر بالثقافة الشاملة وسعة الاطلاع والاحتكاك سعد: يدور في ذهني اقتراح وآمل أن تسهم معي بحكم اطلاعك وخبرتك واحتكاكك كذلك بالطلبة الذين تدرسهم في المدرسة، ألا وهو مسألة القياس الفكري وذلك يتم من خلال الاستبيانات على مختلف الشرائح من مرحلة إلى مرحلة والتجول في اذهانهم وحتماً فإن هذه الاستبيانات على الطلبة والطالبات ستمنحنا بالتالي أجوبة نحتاج إليها لنبني في ضوئها سبل المعالجة الصحيحة وهكذا في المرحلة التي تليها، بشرط أن تكون هذه الاستطلاعات بدون أن يضع الطالب اسمه عليها اي انها ستكون بمنتهى الحرية والنزاهة والشفافية وبهذه الوسيلة سنصل بإذن الله الى مستوى تفكيرهم ونحاورهم وبنفس الأسلوب بمعنى ان الحرية في تعبير الطالب ستحدد بشكل دقيق مانحتاج الوصول اليه وتفعيل الأنماط الإيجابية من واقع الملامسة الفعلية وليست الشكلية وأن تطرح الأسئلة الصريحة والمباشرة للطلبة من خلال هذه الاستبيانات ومن خلال قنوات التواصل المختلفة، اعجب سالم باقتراح سعد وسره كذلك هذه الغيرة من سعد والخوف على الأجيال خصوصاً أن المنتجات الحضارية البراقة باتت تؤثر في سلوك الشباب وتفكيرهم سالم: اقتراحك يا أخي وجيه بل من خلال هذه الاستبيانات والتي تعتبر نقلة نوعية من حيث حصر الأفكار المختلفة وتبويبها ومعالجة السلبيات، بل ان من ضمن المشروع أخذ اقتراحات الطلبة فكم من الأفكار الإيجابية الجيدة محبوسة في الصدور اما خوفا او خجلاً ونحو ذلك، وهذه الاستبيانات ولا ريب ستسهم في اعداد الخطط الداعمة لكل توجيه نبيل خلاّق من واقع الرصد الدقيق والمحاكات المرنة وتيسير سبل بلوغ الأهداف بغية تحقيقها ومن ضمنها هذا المشروع. وهكذا التقى سعد وسالم عند هذه النقطة لأن الهدف واحد للجميع غير أن لكل رؤيته في تحقيق الهدف وتبقى الوسيلة في التحقيق حجر الزاوية بهذا الصدد، فكلما كانت الوسيلة أكثر مرونة وليونة، اخترقت الأحاسيس والمشاعر وخاطبت الوجدان لتأصيل الفهم لا مجاوزته والقفز عليه، اعتدل سعد في جلسته وقال لسالم كم يحز في نفسي حينما يتعرض الأطفال الصغار للعنف في الوقت الذي نكون بعيدين عن مخيلتهم التى استوعبتها الأفلام المليئة بالعنف والتمرد وما يؤسف له هو اتسام البعض من خلال معاملته مع الأطفال بالعنف والرعونة وفي هذه الناحية بالذات وفقاً لسوء الفهم لطبيعة الصغار من ناحية والقصور المعرفي من ناحية أخرى، فتجد البعض يتعامل مع الصغار وكأنه يتعامل مع الكبار بمعنى أنه يصور الواقع من جهة واحدة وهي التعامل مع الخطأ بأنه خطأ بغض النظر عن التعامل مع مصدر الخطأ، فالصغير أو الصغيرة حتماً سيرتكب الأخطاء لأن أفقه الصغير لم يستوعب إدراك مغبة الأخطاء وبالتالي فإن التعامل مع الصغار يجب ان يكون وفقاً لهذا الفهم، فقال سالم دائما ما اشاهد الحوارات عبر وسائل الإعلام المختلفة لمناقشة مشاكل الصغار وتحديدا العنف الأسري الذي اطل بوجهه الكئيب وهو افراز مقيت ومعيب في نفس الوقت ولاشك ان المعطيات الحضارية المختلفة ساهمت في ذلك في الوقت الذي يتم فيه تعبئة الأطفال والعبث بمخيلتهم دون ادراك للتبعات من خلال المواد التي تقذفها بعض وسائل الإعلام وخصوصا المرئي منها وتأليبهم بشكل غير مباشر او بالأحرى غرس التمرد سواء على القيم او على طريقة التعامل مع آبائهم وامهاتهم، في حين ان الهدف ربما يكون في بعض الأحيان سليماً غير ان الوسيلة او بمعنى ادق التمرير يصادر الهدف حينما ينعكس المراد فهمه في تفكير الطفل وسلوكه من بناء الثقة والشجاعة والاعتداد بالشخصية وحماية الاعتبار والأمر الذي اود الإشارة اليه يخص الحوارات المختلفة والتي تناقش هذه المسائل لاسيما العنف الأسري والبحث عن الحلول فيما يغيب عن هذه الحوارات الطرف المعني في القضية وهم الصغار، فمداخلات الصغار من خلال هذه الحوارات من الأهمية بمكان لنسمع من الصغير ونسأله ونحاوره ونناقشه وننزل الى مستوى فهمه وتفكيره بلوغا الى حمايته، واذا كان لكل فعل رد فعل فإن منشأ المشكلة هو الفعل الصادر من الصغير والذى بناءً عليه يرتفع ضغط والده او والدته وفق ادراكه المحدود وتلقائيته غير ان هناك دافعاً مستقراً في عقله الباطن اي انه اكتسب صيغة الاستفزاز ولم تكن بحال من الأحوال واردة في مخيلته وحينما نصل الى السبب الذي انبنى عليه توجه الصغير والجانب العدائي الذي استثاره بهذا الخصوص حينئذ نستطيع ان نحدد السبب ونعالج المسألة بلوغاً الى التشخيص السليم والدقيق وهذا قطعاً يحتم مشاركة المعني بالمسألة وهو الطفل بعيداً عن التنظير وعرض المشكلة من واقع الرؤية العامة.

الرياض

شكرا جزيلا لمروركم
أستاذتنا الفاضلة بنت يافا
بارك الله لكم
وكل عام أنتم بألف خير
فارس