[
size=29]
يعتبر مفهوم السلوك التكيفي Adaptive Behavior من المصطلحات الحديثة نسبياً التي دخلت في ميدان التربية الخاصة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، علماً أن هذا المفهوم قد ظهر في العلوم الاجتماعية للدلالة على مدى قدرة الفرد على التكيف مع العوامل والمتغيرات الاجتماعية.
كما ظهر هذا المفهوم في العلوم النفسية للدلالة على مدى قدرة الفرد على التكيف بالمعنى النفسي والصحة النفسية.
أما في ميدان التربية الخاصة فقد اعتبر السلوك التكيفي متغيراً أساسياً في تعريف الإعاقة العقلية حيث اعتبر فشل الفرد في التكيف الاجتماعي والاستجابة للمتطلبات الاجتماعية مظهراً من مظاهر الإعاقة العقلية والتي قد ترجع إلي قصور في القدرة العقلية للفرد.
وقد أدى ظهور هذا المفهوم إلى تغير جوهري في التعريف الحديث للإعاقة العقلية الذي أصبح لا ينظر إلى القدرات العقلية التي يتمتع بها الفرد كمعيار وحيد، وإنما إلى قدرة الفرد أيضاً على الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية المتوقعة منه مقارنة مع نظرائه من نفس الفئة العمرية
ويتضمن مفهوم السلوك التكيفي عدداً من المظاهر أهمها: النضج الاجتماعي والتآزر البصري الحركي، القدرة على التعلم والمتمثلة في تعلم المهارات الأكاديمية اللازمة حسب المرحلة العمرية والنمائية، المهارات الاجتماعية المتمثلة في تعلم مهارات الحياة اليومية، والمهارات اللغوية ومهارات معرفة الأرقام والوقت والتعامل بالنقود وتحمل المسؤولية والتنشئة الاجتماعية.
وتعتبر الجمعية الأمريكية للتخلف العقليAAMR من الجهات العلمية التي أدخلت هذا المفهوم في مجال الإعاقة العقلية.
واعتبر العلماء مفهوم السلوك التكيفي متغيراً أساسياً في اعتبار الفرد معاقاً عقلياً أم لا، وذلك من خلال قدرته على الاعتماد على ذاته وخاصة في مهارات الحياة اليومية وقدرته في الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية، وتم تأكيد ذلك المفهوم مع تنامي الانتقادات التي وجهت إلى مقاييس الذكاء التقليدية التي لا تفسر كيف يتصرف الفرد في المجتمع أو كيف يستجيب للمتطلبات الاجتماعية، فالقدرة العقلية العالية لا تعني قدرة عالية على التكيف الاجتماعي والعكس صحيح.
وقد عرف العاملون في حقل التربية الخاصة السلوك التكيفي على أنه القدرة على التفاعل مع البيئة الاجتماعية والطبيعية، وهو ذلك الدور الاجتماعي المتوقع من الفرد مقارنة مع نظرائه من نفس المجموعة العمرية سواء كان ذلك في مرحلة الطفولة أو الشباب أو الكهولة ويتضمن ذلك المفهوم الأدوار الاجتماعية المتوقعة من الفرد.
لذلك، فإن هذا المفهوم يشير إلى مدى قدرة الفرد على تحمل مسؤولياته الشخصية وخاصة مهارات الحياة اليومية مثل مهارات تناول الطعام والصحة الشخصية وارتداء الملابس، والمهارات الاستقلالية الأخرى كالتنقل والتعامل بالنقود واستخدام اللغة في التعبير عن نفسه.
كما يشير هذا المفهوم إلى مدى قدرة الفرد على تحمل مسؤولياته الاجتماعية المتوقعة منه وخاصة في المراحل العمرية المتقدمة وما تتطلبه من مسؤوليات اجتماعية تتمثل في التفاعل مع الآخرين والقيام بعمل ما يمكنه من الاستقلال المعيشي.
وتمثل مظاهر السلوك التكيفي استجابات المعاق عقلياً للمتطلبات الاجتماعية وبالتالي قدرته على التكيف مع أسرته ومجتمعه، عند اتقانه لمجموعة من المهارات الشخصية والاستقلالية والاجتماعية، أما مظاهر السلوك اللاتكيفي فتمثل مظاهر غير مقبولة اجتماعياً من قبل الأطفال المعاقين عقلياً وتعبر عن سوء تكيفهم الاجتماعي مثل: العدوانية والتمرد السلوك الانسحابي والنمطي والعادات الغريبة والنشاط الزائد ونظراً لأهمية السلوك التكيفي فإن التوجه الحديث في قياس وتشخيص حالات الإعاقة العقلية يعتمد على الاتجاه التكاملي الذي يمثل البعد الاجتماعي احد أبعاده الأساسية، وذلك بعد ظهور الأساليب السيكومترية في قياس وتشخيص القدرة العقلية ونتيجة للانتقادات التي وجهت لها ونتيجة لاشتمال تعريف الإعاقة العقلية على البعد الاجتماعي. لذلك استخدمت التربية الخاصة مفهوم السلوك التكيفي على أنه متغير أساسي في تعريف عدد من فئات التربية الخاصة وخاصة الإعاقة العقلية والاضطرابات السلوكية وصعوبات التعلم والاضطرابات اللغوية، واعتباره بعداً مكملاً لمفهوم القدرة العقلية يشمل المظاهر السلوكية والاجتماعية واللغوية والحركية والتحصيلية عند الفرد.
المصدر: روحي عبداتاخصائي نفسي تربوي
منقول
[/size]