الرياض- الدكتور محمد بن علي الجمعة (استشاري الأمراض العصبية)
عرف
الموت أو فقد الحياة أزليًا بظهور علامات متأخرة على الميت، كبرودة الجسم
وشحوب الوجه وغور العينين وانحدار الأنف، ثم وقع تطور بسبب الاكتشافات
الطبية وإيجاد الصلة بين دقات القلب والنبض، فاستخدم غياب نبض القلب كعلامة
مبكرة للوفاة. وفي القرن الحالي، ومع تقدم وانتشار استخدام الإنعاش القلبي
والرئوي لإعادة عملهما والتقدم الطبي والتقني، ظهر الموت الدماغي على
الساحة كتشخيص مبكر للوفاة. أهمية تشخيص الموت الدماغي ازدادت، وأصبح
التشخيص المبكر ذا أهمية قصوى لتمكين أشخاص آخرين من الاستمرار في الحياة.
بقاء
الإنسان واعيًا ومدركًا لمحيطه يعتمد على علاقة معقدة ومتبادلة بين أجزاء
الجهاز العصبي، خصوصًا بين فصي المخ والتكوين الشبكي في جذع الدماغ العلوي
أو الدماغ المتوسط، ولاستمرار الإنسان على قيد الحياة بشكل طبيعي وعلى وعي
تام بمحيطه يضاف جذع الدماغ كاملاً ، وخصوصًا الجزء السفلي منه، للأجزاء
السابقة.
وبشكل مبسط فإن فصي المخ يحتويان على مراكز التحكم في السيطرة
على العضلات الإرادية والإحساسات المختلفة بالإضافة إلى النطق، الذاكرة،
الفطنة، والذكاء. فإجمالاً فصا المخ يقومان بالعمليات المعقدة والمتطورة.
وفي المقابل فإن جذع الدماغ يقوم بالعمليات البدائية اللازمة للحياة
كالتنفس وتنظيم دقات القلب والمحافظة على ضغط الدم. التكوين الشبكي والذي
أخذ اسمه من شكله والمنتشر في جذع المخ يكون مسؤولاً عن اليقظة، ودون
إشارته المتواصلة لفصي المخ فهما يفقدان المعرفة والإدراك.
فقدان الشخص
لوعيه وإدراكه ليس دليلاً على مفارقته الحياة، فالإنسان يبقى حيًا ولو تعطل
فصا المخ أو التكوين الشبكي في جذع الدماغ، شرط أن يبقى الجزء السفلي منه
سليمًا، خصوصًا مركز التنفس ودقات القلب، وفي هذه الحالة يمكن أن يكون في
غيبوبة أو في حالة «حياة نباتية»، ولهذا فالموت الدماغي يشخص فقط بعد موت
جذع الدماغ وعند فقدان جميع وظائفه.
الموت الدماغي يشخص لغاية نبيلة وإنسانية، ولتوجيه الخدمات الطبية المحدودة توجيهاً أمثل لإقرار غاية الطب وهو الحفاظ على الأرواح.
الغيبوبة (Coma)
قبل
التحدث عن الغيبوبة، يجب أن نعرف كيف يبقى الإنسان واعيًا ويقظًا، فما هو
معروف أن التكوين الشبكي يبدأ من جذع المخ، وهو المسؤول عن اليقظة، وبفضل
استمرار مشاركته إلى فصي المخ يكون التناسق، وأحيانًا يقوم المخ بتكوين
محتويات اليقظة، وأي خلل في التكوين الشبكي يفضي إلى الغيبوبة أو شدة
السبات.
الغيبوبة هي
حالة فقد الاستجابة التامة لجميع المؤثرات
والمنبهات الخارجية مع احتفاظ الجسم بالمنعكسات الابتدائية وبحركات القلب
والتنفس، وهذا يعني وجود وظائف جذع الدماغ أو بعضها، وإن الغيبوبة واحد من
شروط الموت الدماغي.
أسبابها:
خلل أو عطب في أحد الأجزاء المهمة لليقظة وهي:
ـ قشرة الدماغ.
ـ التشكيلات الشبكية.
ـ جذع الدماغ.
الخطوات الأساسية لتشخيص موت الدماغ:
لتشخيص
موت الدماغ يوجد شروط عدة يجب استيفاؤها، وقد وضعت هذه الشروط بشكل
بروتوكولات، وهناك العديد منها، ولا يوجد اختلاف بين تلك البروتوكولات في
الشروط الأساسية. دائمًا هناك اختلاف بسيط في درجات التأكد من توافر هذه
الشروط مثل:
ـ إجراء فحصين منفصلين بعد وقت معين من الساعات (6 ساعات إلى 12 ساعة).
ـ الزيادة المطلوبة في ثاني أكسيد الكربون في الدم عند فحص وقف التنفس.
ـ اشتراط بحوث مؤكدة أو عدم اشتراطها.
الخطوات الأساسية:
أولاً: الشروط المسبقة:
ـ وجود شخص في غيبوبة، بحيث لا يستجيب لجميع المؤثرات ولا يتحرك ولا يمكن إفاقته منها.
ـ لا يستطيع المريض التنفس من تلقاء نفسه.
ـ وجود سبب للغيبوبة لا يمكن معالجته، فهناك بعض الأسباب يمكن معالجتها في بعض الحالات.
ـ مضي أكثر من ست ساعات على الإصابة الأولية.
ثانيًا: شروط يجب استبعادها:
ـ لا تقل درجة الحرارة عن 35.5 مئوية و ( 32 درجة مئوية الأكاديمية الأمريكية).
ـ استبعاد أن يكون المريض تحت تأثير المهدئات والمخدرات.
ـ المريض ليس في حالة صدمة قلبية وعائية لم تعالج.
ـ استبعاد أسباب السبات الاستقلابية والغذائية مثل نقص في السكر، نقص الهرمونات أو زيادتها، الغازات السامة.
ثالثًا: الفحص السريري للجهاز العصبي:
للتأكد من الغيبوبة:
ـ غياب الاستجابة الحركية التامة بالإضافة إلى عدم وجود وضع جسماني معين.
ـ غياب كامل لمنعكسات جذع الدماغ، الحدقية للنور مع انعكاسها، القرنية، المنعكس الرأسي العيني، الدهاليزي العيني، التقيؤ، السعال.
وفي
الختام أود أن أذكركم أن موت الدماغ يمكن أن يشخص بوقت قبل الموت الكامل
وتوقف جميع أجهزة الجسم، وهو ما يعطي إمكانية الاستفادة من أعضاء أولئك
الأشخاص لإنقاذ حياة أناس آخرين، أو للاستفادة من العناية المركزة لإنقاذ
شخص آخر في أمس الحاجة للرعاية الطبية من الشخص الذي قد تحقق موته
منقول