اهتمت السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية برعاية المتميزين والموهوبين منذ أن سطرت بنودها التي نصت بعض موادها على رعاية الفئة المتميزة من أبنائنا الطلاب ، إيمانا منها بضرورة تكافأ الفرص ، ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب ، وحاجة المجتمع إلى المنجز الحضاري المتنوع والمبني على استثمار حقيقي ومبرمج للقدرات والمهارات العقلية وتوجيهها نحو خدمة عجلة التنمية الوطنية .
وكانت البداية القوية للمشروع إنشاء الجمعية السعودية لرعاية الموهوبين والتي أطلق عليها بعد ذلك " مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين " والتي أثار إنشاؤها اهتمام وتوجيه الرأي العام في المجتمع السعودي عامة والمجتمع التعليمي خاصة تجاه تلك الفئة النخبوية والتي أنعم الله عليها بقدرات ومواهب وعمر عقلي يفوق عمرها الزمني ، وانعكس ذلك الاهتمام بإنشاء مراكز وأقسام لرعاية الموهوبين في جميع المناطق التعليمية ، كما لعب الإعلام _ كالعادة _ دوره البطولي في رفع وتيرة الاهتمام الجماهيري بهذا المشروع الرائد والذي أثمر _أي الدور الإعلامي _ عن مبادرات علمية وتبرعات مادية ودعم وتشجيع من قبل رجال الأعمال والتربية والتعليم والمؤسسات الخاصة والحكومية لصالح المشروع متمثلا في دعم مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين أو المراكز أو البرامج الإثرائية الخاصة بالطلاب الموهوبين .
ولكن في غمرة ذلك الزخم الإعلامي تكونت أحلام وأوهام في أذهان كثير من شرائح المجتمع تمثلت في انتظار المردود السريع والمنجز الابداعي وذلك بمجرد إنتهاء الحملة الإعلامية التي صاحبت إنشاء المؤسسة أو المركز ، بله تجاوزت بعض الأصوات المطالبة _ للأسف _ حد التطلعات السريعة إلى دور التساؤل عن المخرجات البشرية والمادية للمشروع ، وتطور الوضع ببعض الأقلام والأصوات إلى حد تحديد هوية ونوعية المخرجات الإبداعية ، والمطالبة الصريحة بنسخ سعودية ( معدلة ومنقحة ) لعلماء كأنشتاين أو نيوتن أو لمنجزات إبداعية كبرامج شركة ميكروسوفت أو على أقل تقدير صورة مصغرة لمفاعلات باكستان النووية . واشتطت تلك النظرة المستعجلة ببعض الفئات إلى الحكم بالفشل العام على مشروع رعاية الموهوبين أو على بعض مؤسساته الراعية بحجة عدم وجود المخرجات الملموسة للمشروع خلال العامين السابقين .
وغفلت تلك الأقلام _ والتي ينتسب بعضها للمجتمع التعليمي _ أن مشروع رعاية الموهوبين ما زال في طور تأسيس البنية التحتية له ، لا سيما التخطيط والتدريب لكوادر بشرية بغية تأهيلها لرعاية الموهوبين ، وهو ما تضطلع به مشكورة الإدارة العامة لرعاية الموهوبين في وزارة المعارف من إقامة دورات تدريبية وورش عمل متخصصة وابتعاث وذلك لدفع عناصر مؤهلة في المجتمع لتنفيذ برامج خاصة بالطلبة الموهوبين . وغفلت تلك الأقلام عن مسلمة مفادها أن طول عامل الزمن في صناعة القدرات الإنسانية واستثمار عقولها أمر طبيعي يتسق وطبيعة تكوين العقل البشري وتنمية مهاراته وقدراته . كما تجاهلت تلك الفئة الجوانب المشرقة في هذا المشروع الرائد ومن تلك الجوانب :
تفرد المملكة العربية السعودية- على المستوى العربي - بالتنفيذ الواسع لمشروع الرعاية على مستوى التعليم العام وإنشاء مؤسسات وأقسام وإدارات راعية له. وقد بدأ بالفعل تنفيذ برامج إثرائية في مراكز الموهوبين .
ومن ذلك تشكيل اللجنة الوطنية للتعليم لتقنين وتصميم مقاييس علمية للقدرات العقلية والميول والاتجاهات والذكاء العام لغرض الكشف عن الطلبة الموهوبين ، وقد تم إنجاز تلك المقاييس وتم تطبيقها أيضا على الطلاب في العام الماضي .
ومن ذلك أيضا إقامة الملتقيات الصيفية للطلاب الموهوبين بالتنسيق بين وزارة المعارف ممثلة في الإدارة العامة لرعاية الموهوبين ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين .
فتلك المشاريع _ وغيرها كثير _ يؤمن القائمون عليها بأنها تمثل نقطة على السطر وخطوة على الدرب الصحيح الطويل الشاق في مجال رعاية الموهوبين واستثمار قدراتهم ، ويؤمنون كذلك بأن استعجال قطف الثمرة في هذا المشروع قد يمثل قتل للنبتة نفسها وذلك قبل أن تؤتي أكلها بإذن ربها، ويعتقدون كذلك بأن رعاية الموهوب أمانة يشترك في حملها الجميع ففشل هذا المشروع أو نجاحه لا يعني فشل أو نجاح المؤسسات التعليمية المشرفة عليه فقط بل المجتمع ككل .
كما يجب أن يدرك القائمون على الإعلام عامة والتربوي منه خاصة الدور المهم المنوط بهم تجاه هذا المشروع ، وان لا يقتصر الدور على حملات إعلامية تتزامن مع أحداث ومناسبات عامة ثم تنتهي ، وإنما ينبغي أن تكون هنالك خطة إعلامية تربوية مستمرة تهدف إلى توعية المجتمع بحقيقة المشروع وأهدافه ، ودور كل فرد في رعاية الموهبة والموهوبين . وأخيرا أذكر بالتحذير النبوي الشريف في استعجال قطف النتائج في مثل هذه الأمور بقوله صلى الله عليه وسلم "ولكنكم قوم تستعجلون "
عصام الزهراني
منقول